يصيب المرء
الرعب وهو يطالع تحذير الصادر من البنك الدولي بأن هناك أزمة غذاء
ستصيب مناطق في العالم سببها ارتفاع أسعار الغذاء العالمية والتي وصلت
مؤخرا نسبتها إلى 10 في المائة …
أزمة غذاء تداعياتها تصيب بالخصوص دولا في الشرق
الأوسط وأفريقيا ، بمعنى كل الدول العربية بلا استثناء ستكون عرضة لهذه الأزمة.
وبسرعة بدأت وسائل الإعلام في هذه الدول تدق ناقوس الخطر لتهيئة الناس بما
هو آتي…
و المحرك الأساسي
لارتفاع هذه الأسعار موجة الحرارة العالية التي أثرت على كميات الإنتاج في
الولايات المتحدة الأميركية، وعدد من الدول الأخرى المنتجة للحبوب مثل روسيا
وأوكرانيا وكازاخستان...
وإذا نظرنا إلى
الدول التي ستتأثر بهذه الأزمة جلها تقريبا تمتلك أراضي ومياه ومناخ كان بإمكانها
أن تكون ضمن أو حتى على رأس الدول المصدرة لمادة القمح وأكثر من مادة القمح
وبالتالي تجنب تداعيات ما بصيب الآخرين حرا ونيران أو بردا و فيضانات…
المواطن في هذه
الدول ربط مصيره بمصير مزارع وحقول ما وراء المحيطات و البحار رغم ، كما تم
ذكره ، كل ما يمتلكه من ارض و ماء ومناخ .
وأصبح هذا المواطن
همه الوحيد وسقف آماله امتلاك سيارة وهاتف نقال و "البزنسة" في الأسواق
ومسؤولين قاعدتهم من "بعدي الطوفان" ...
أهملت الفلاحة لصالح
العمران و بيعت الأراضي الخصبة التي بإمكانها إنتاج ذهبا أخضر وأصبحت تلك
الأراضي تنتج "اسمنتا" و "خراسانيات" بعد أن بيعت أو
تم تنازل عنها بالقطعة و بالجملة ...
فإذا أخذنا ، على
سبيل المثال لا الحصر ، السودان فكيف كان بإمكانياته الضخمة من سعة
الأرض ووفرة المياه أن يكون سلة غذاء لقارة إفريقيا كلها وفي النهاية أصبح
لا فرق بينها وبين أفقر دولة في القارة …
أو مصر الذي قال
يوما الراحل جمال عبد الناصر أن البلد أصبحت مكتفية ذاتيا من إبرة الخياط إلى ما
أكثر بكثير من إبرة الخياطة وأخذت الفلاحة حصة الأسد من الاهتمام. لتتحول
البلد بعد رحيل عبد الناصر إلى مستورد من إبرة الخياطة إلى رغيف الخبز...
وبيعت تلك
الأراضي التي تم استصلاحها والاهتمام بها بالمجان أو بالقرش الرمزي لأصحاب
النفوذ لإقامة عليها مشاريع نفعية ذاتية آنية . نفس المصير لمركبات الصناعية
الضخمة ، فككت و تم بيعها كخردة . نفس الشيء ينطبق على الجميع بدون
استثناء...
وتحول المواطن في
هذه البلدان إلى مجرد مستهلك وصاحب ثقافة الوقوف في الطوابير حتى للمواد موجودة ،
ربما هذا المواطن يهيئ نفسه لأيام الندرة والأزمة الحقيقيين التي بدأت
بوادرها تلوح في الأفق …
وإذا نظرنا إلى قصة
بسيطة ، مذكورة سابقا ، تعطينا إجابة واضحة عن كل ما أريد قوله . القصة
المشار إليها ، إماما طلب منه أهالي قرية أداء بهم صلاة الاستسقاء ، بعد طول
انقطاع نزول الأمطار وحصول جدبا كاملا وانشقت الأرض عطشا واختفى الأخضر وحل
محله كل ما هو أصفر ، وافقهم الرأي ذلك الإمام
وصلى بهم صلاة الاستسقاء …
بعد أيام عادوا
هؤلاء الأهالي إلى الإمام مستفسرين عن سبب
عدم هطول الأمطار رغم أدائهم الصلاة . أجابهم الإمام ، قائلا : " لقد نزلت بالفعل
الأمطار بعد صلاتكم و تضرعكم وتم قبولها من الله عز وجل"...
مضيفا "
الأمطار نزلت بالفعل في الأماكن التي تنفع فيها الأرض و العباد ، لقد نزلت
في كندا والولايات المتحدة واستراليا و البلدان المنخفضة ...ونزلت الثلوج في
القطبين و سيبريا و...و...".
شارحا لهم ، أن في
تلك المناطق الفلاح لا ينام حتى المنتصف النهار و لا يبيع أرضه مقابل شراء سيارة
فخمة و هاتف نقال يتسكع بهما طول النهار . "ليضربها" ( أي السيارة) في
اليوم التالي بحائط وبيعها كخردة بأبخس الأثمان ،هذا إذا كان
سعيد الحظ ولم يجد نفسه تحت شاحنة نصف مقطورة ليفقد السيارة و حظوظ كبيرة يفقد
معها حياته ، بعد فقده "العرض" ، مصححا عن قصد ، قائلا "أعني
الأرض"...
مضيفا لهم ،
الفلاح في تلك المناطق لا يستبدل الأرض وذهبها الأخضر "بالبزنسة" في
الأسواق والبحث عن الربح السهل المؤقت. خاتما كلامه بالقول "ماذا تفعل
الأمطار عندكم وتترك مناطق يستفيد منها البشر والدواب و النبات "...
وخلاصة القول أن هذه الأزمات الاقتصادية
لا تأتي من العدم أو من فراغ لكنها تراكمات لتسيب و تهاون وسوء
التفكير و التخطيط وسياسة من "بعدي الطوفان" لتتحول
في الأخير إلى طامة كبرى تأكل الأخضر و اليابس نهايتها الفقر و الجوع وتبدأ
من رؤوس البسطاء "لتأكل بعضها البعض" ...
وأصبح من الحكمة
كثرة الدعاء لحفظ مزارع روسيا من الحرائق و حقول الولايات
المتحدة و جيرانها من مياه الفيضانات وبواخر الشحن من أمواج البحار وأسماك القرش
لكي يبقى ذلك الرغيف في متناول الجميع ، آخر خط يحمي
البطون من أوجاع الجوع و عذاباته…
وإذا
نظرنا إلى مستقبل الأمة ، بشكل عام ، فان المستقبل "باين ومفصل من عُنْوَانُ " . قد يقول قائل أنها
قمة التشاؤم ،لكن هذا التشاؤم بينت الوقائع انه في محله...
بلقسام حمدان
العربي الإدريسي
03.09.2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق